نضال فلسطيني بنكهة جديدة بقلم توفيق أبو شومر

نضال فلسطيني بنكهة جديدة   بقلم/ توفيق أبو شومر

ظلَّ نضالُ الشعوب يتعدد ويتجدد طوال التاريخ، ولم يقتصر النضالُ على الجهاد والقتال، بل امتدَّ ليشمل ألوانا عديدة من النضال، ولعلّ الشعبَ الفلسطيني من أبرز الشعوب في ابتداع ألوانٍ عديدة من النضال، فهو من أبرز مهندسي الانتفاضات والاضرابات في العالم، فهو صاحب أطول الاضرابات في التاريخ عام 1936 ضد الانتداب البريطاني،وهو أول من طلب من الفلسطينيين جميعهم أن يلبسوا الكوفية والعقال، ليُغطوا على المناضلين الفلسطينيين المُطاردين لسلطة الانتداب البريطاني، وهو الذي منح القاموس اللغوي العالمي لفظ الانتفاضة لتشير إلى المقاومة غير المسلحة في الألفية الثالثة، إنه شعبٌ مبدعٌ يستحقُّ الحياة.

 لذا فلا غرابة أن يعمد المحتلون إلى طمس كل أنواع النضال الأكثر تأثيرا في عالم اليوم،وهو النضال الثقافي والفني والعلمي والتكنلوجي، لتصبح صورةُ النضال الفلسطيني مقرونةً فقط بالرصاص والمتفجرات، لكي يُقنع العالم بأن نضالنا الفلسطيني ليس نضالا وطنيا شريفا، ولكنه إرهابٌ وقتلٌ وخراب.

هاهو طبيبٌ فلسطيني يحاول بجهده الشخصي أن يعيدَ لفلسطين لونا جديدا من أشكال النضال، إنه النضال الدعوي بالجهد والعرق والتضحيات، وإنشاء مؤسسة لدعم العلم والثقافة والإبداع، بخاصة للفتيات الفلسطينيات.

الطبيب عز الدين أبو العيش نسرٌ من نسور فلسطين، عاد إلى الوطن من جديد وهو يحمل في حقيبته إكسيرا لعلاج أدواء الوطن، عاد وهو يحمل معه دواءً شافيا لمرض الإحباط واليأس المتفشي بين شبابنا وأهلنا، دواؤه مستخرجٌ من مأساته الشخصية، حين فَقدَ ثلاثا من بناته وابنة أخيه، عندما قتلتهن قذيفة دبابة إسرائيلية في عملية الرصاص المصبوب في غزة في يناير 2009 .

كان مفروضا أن تجعله نكبتُهُ الشخصية محبطا محطما نفسيا، لكنه بعزيمة الصبر وقوة الإصرار تمكَّن من تحويل هذه النكبة الأسرية إلى بنك أمل، ورصيد نضالٍ مستقبلي لا ينضب، فمن بقايا أجساد شهيداته الصغيرات فصّل للوطن عباءاتٍِ مُخصَّصةٍ للفتيات الفلسطينيات العاجزات ماليا المتفوقات عقليا، في صورة مِنَحٍ دراسية مجانية، في أكبر الجامعات العالمية.

صنعَ هذا المبدعُ الفلسطينيُ من بقايا الصواريخ التي أصابت غرفة نومِ عزيزاته، جسرا عبرَ فوقه إلى العالمين، يحمل في يده اليمنى علم وطنه، وبيده اليسرى يزرع الأمل والبسمات.

إنه رسول فلسطين في الألفية الثالثة للعالم أجمع، يُردد لهم قول محمود درويش: أنا فلسطينيٌّ لا أكره الناسَ، ولا أسطو على أحدٍ، أبي من أسرة المحراث لا مِن سادة نُجُبِِ، وبيتي كوخُ ناطورٍ من الأعواد والقصبِ.

الطبيب عز الدين أبو العيش هو من سلالة الإبداع الفلسطيني النضالي، الذي فهم طبيعة المجتمع الإسرائيلي، وتمكَّن بنبوغه من أن يصبح طبيبا مشهورا في أكبر مستشفيات إسرائيل، ومستشارا دوليا في القضايا الصحية، ومرشحا لجائزة نوبل للسلام، عاد ليؤكد بأن في وطننا ما يستحق الحياة، وما يستحقُّ النضال.

إنه نضالٌ آخر بنكهة العمل والمثابرة والإصرار والعزيمة والتفاني، نضال آخر بطعم الاستبشار والأمل، عاد ليُثبتَ في كتابه   (I shall not hate) مقولة الفيلسوف فرنسيس بيكون الذي قال:التربة السوداء هي التي تُنتجُ أجود أنواعِ القمح.

أعاد د. أبو العيش إلينا سلالةَ المبدعين الفلسطينيين في كل أصناف العلوم والآداب والتربية والسياسة والتاريخ والفن، ليقول:

ما عَقُمتْ أرضُ فلسطين من بذور المبدعين، فنحن الأحفاد نقتدي بالأجداد